تعز… حين يطول الانتظار ويضيق العيش

صادق الجابري

هنا تعز …مدينةٍ تتكئ على التاريخ وتقاوم بالذاكرة، حيث تتعانق قلعة القاهرة مع جبل صبر الأشم، في مشهدٍ يوحي بالقوة والثبات، بينما الواقع اليومي يحكي حكاية مختلفة، مثقلة بالوجع والمعاناة.

تعز اليوم لا تعاني أزمة عابرة، بل وجعًا مركبًا؛ فالفقر يتمدد، وغلاء المعيشة يطحن ما تبقّى من قدرة الناس على الاحتمال. كل يوم يمرّ يبدو أثقل من سابقه، وكل صباح يفتح أبوابه على همّ جديد، في مدينة أنهكتها الحرب والإهمال وغياب الحلول.

أبناء تعز، على اختلاف مشاربهم، يشتركون في مشهدٍ واحد: عيون تتجه نحو الأفق، وقلوب معلّقة بالله وحده، انتظارًا لانفراج طال أكثر مما ينبغي. غير أن هذا الانتظار، مع مرور الوقت، يتحوّل إلى شعورٍ مرير بالعجز، حين لا يلوح في الأفق ما يشي بتغيير حقيقي.

في المقابل، يبدو أن ولاة الأمر يعيشون في عالمٍ آخر، بعيد عن تفاصيل حياة الناس اليومية. خطابات تُلقى، ووعود تتكرر، بينما الواقع يزداد قسوة. قرارات تُصاغ من خلف المكاتب، لا تمرّ عبر الشوارع ولا تسمع صوت الأسواق ولا تلامس معاناة الأسر التي تكافح من أجل لقمة العيش.

المؤلم أن المشهد العام يوحي بأن الصراع لم يعد من أجل إنقاذ الوطن، بل من أجل اقتسام ما تبقّى منه. سباق محموم نحو المقاعد والمصالح، وصفقات تُدار باسم السياسة، فيما المواطن يدفع الثمن وحده، صامتًا أو متألمًا أو مهاجرًا.

تعز لا تطلب المستحيل، ولا تنتظر معجزات، بل تطالب بحقها في حياة كريمة، وبسياسات ترى الإنسان قبل الحسابات، والمدينة قبل المصالح، والوطن قبل الطاولات التي يُدار فوقها البيع والشراء.

ويبقى السؤال مفتوحًا:

هل يسمع أحد؟ أم أن الانتظار سيظل هو الخيار الوحيد لأبناء هذه المدينة الصابرة؟

By admin