فواز الكامل
في ظل عالم يشهد تقلبات اقتصادية متسارعة، وتحولات جيوسياسية تؤثر على سلاسل التوريد والنمو العالمي، لم يعد توطين الصناعة خيارًا هامشيًا، بل ضرورة استراتيجية لأي دولة تسعى إلى حماية أمنها الاقتصادي وترسيخ سيادتها على القرار التنموي.
وتوطين الصناعة لا يقتصر على تشييد المصانع، بل يشمل بناء منظومة صناعية متكاملة تبدأ بدعم الصناعات الوطنية القائمة، مرورًا بإصلاح البنية التشريعية والتمويلية، وانتهاءً بتهيئة بيئة إنتاجية تستثمر في الموارد المحلية وتواكب متطلبات الأسواق الداخلية والخارجية.
فبعض الدول التي خففت اعتمادها على الاستيراد ووسعت قاعدتها الصناعية أثبتت قدرة أكبر على الصمود في الأزمات، وتمكنت من تحقيق أمن اقتصادي وغذائي، بل وتحولت منتجاتها إلى علامات تنافس في الأسواق العالمية، ما عزز من حضورها السياسي والاقتصادي.
تُعد أي سياسات جادة تسعى إلى توطين الصناعة بمثابة إشارة طمأنة قوية للمستثمرين، وتعكس توجهاً نحو الاستقرار، وحرصًا على بناء بيئة اقتصادية منظمة تحترم القانون وتقدم الحوافز المناسبة، وهي العناصر التي يبحث عنها رأس المال قبل اتخاذ قراره.
كما أن الصناعة الوطنية بطبيعتها تُحفز الابتكار وتحسين الجودة، ومع نموها تصبح منصة للبحث والتطوير التقني، بما يسهم في بناء قاعدة معرفية وكفاءات وطنية قادرة على الإنتاج، والإبداع، والمنافسة في بيئة الاقتصاد الرقمي والعالمي.
الأثر الاقتصادي الشامل لتوطين الصناعة يتجلى في تقليص فاتورة الاستيراد، وزيادة صادرات المنتجات الوطنية، وخلق فرص عمل واسعة في قطاعات إنتاجية وخدمية متصلة، كالنقل، والخدمات اللوجستية، والتغليف، والتسويق، وغيرها من الصناعات المساندة.
إلى جانب الأبعاد الاقتصادية، يسهم توطين الصناعة في تحقيق أهداف الاستدامة البيئية، من خلال تقليل الانبعاثات الناتجة عن الشحن الخارجي، وتخفيض الضغط على الموارد، وتشجيع الاستثمار في التقنيات النظيفة والطاقة البديلة.
ومن الطبيعي القول بأن المشروع الصناعي الوطني يتطلب شراكة فاعلة بين الحكومة، والقطاع الخاص، والمجتمع، إذ لا يمكن إنجاحه إلا عبر رؤى موحدة وسياسات منسقة، تدمج التعليم الفني، وتمويل المشاريع، وتسويق المنتجات المحلية ضمن استراتيجية اقتصادية شاملة.
الدعم الفعّال للصناعة المحلية، يشكل خطوة على طريق طويل لبناء اقتصاد متماسك، يعتمد على قدرات أبنائه، وبالتالي فان توطين الصناعة يحصّن البلاد من الأزمات، ويمنح الأجيال القادمة فرصة لبناء اقتصاد مزدهر ومستقل، يكون عنوانه: الإنتاج من أجل المستقبل، والاستثمار من أجل البقاء.