حملة “حتى تعود الطيور”.. حملة مدنية لحماية الطيور المهاجرة والمقيمة

حملة “حتى تعود الطيور”.. حملة مدنية لحماية الطيور المهاجرة والمقيمة

لنمنع صوت البندقية من إسكات صوت الطبيعة

كتبت أمل محمد أمين

تشهد مصر في كل شتاء، مرور ملايين الطيور المهاجرة فوق سمائها، قادمة من أوروبا وآسيا، عبر مسار الفالق الإفريقي العظيم، أحد أهم المسارات العالمية لهجرة الطيور وأكثرها حساسية. الى جانب ذلك تحتضن مصر تنوعاً كبيراً من الطيور المقيمة التي تستوطن بيئاتها الطبيعية المتنوعة على مدار العام. لكن بدلاً من أن تكون مصر محطة آمنة للراحة ومحمية لتلك الطيور الهامة، تحولت بعض مناطقها، وعلى رأسها بحيرة ناصر، الى ساحات مفتوحة للصيد الجائر تُنتهك فيها الحياة البرية بصمت، وتستباح فيها الطيور المهاجرة والمقيمة بأساليب غير قانونية، وتحت غطاء سياحي منظم في بعض الأحيان.

 

خلال موسم الصيد 2022–2023، وثّقت الجمعية المصرية لحماية الطبيعة “NCE” نمطاً خطيراً ومتكرراً من ممارسات الصيد الجائر في بحيرة ناصر، تمثّل في خمس عشرة رحلة صيد إلى البحيرة، شارك فيها 87 صياداً أجنبياً، معظمهم من جنسيات أوروبية، وبينهم من يواجهون ملاحقات قانونية في بلدانهم على خلفية انتهاكات بيئية. استخدمت في هذه الرحلات بنادق نصف آلية ووسائل محظورة دولياً، واستهدفت خلالها طيوراً نادرة، دون أدنى اعتبار للبيئة أو القوانين المنظمة للصيد.

 

ووفقًا لتقرير منظمة Birdlife International لعام 2023، والذي شمل 46 دولة، مع تركيز خاص على 22 دولة متوسطية تُعد من أكثر المناطق تأثراً بظاهرة الصيد غير القانوني، تم تصنيف مصر ضمن أعلى تسع دول بحاجة إلى إجراءات صارمة للحد من هذه الظاهرة.

 

المقلق أن هذه الانتهاكات لا ترتكب في الخفاء، بل تُنفذ علناً ضمن جولات سياحية تروّج لها شركات أجنبية تقدّم فيها مصر على أنها “وجهة مفتوحة للصيد”، وملاذ آمن للخارجين عن القانون، وبهذا الشكل، تحولت البلاد -دون قصد- إلى وجهة مفضلة للصيادين الهاربين من قوانين الحماية في بلادهم. في صورة لا تسيء فقط لمكانة مصر الدولية، كدولة موقعة على اتفاقية التنوع البيولوجي CBD واتفاقية حماية الأنواع المهاجرة CMS، بل تُهدد ثرواتها الطبيعية، وتُضعف الجهود الوطنية في التحول نحو اقتصاد أخضر وسياحة مستدامة.

 

في مواجهة هذا الواقع المقلق، جاء قرار وزارة البيئة في عام 2023 بحظر الصيد في بحيرة ناصر لأول مرة منذ التسعينيات، خطوة تاريخية واستجابة وطنية مسؤولة أعادت الحياة إلى المنطقة.

 

وعلى مدار العامين الماضيين، مثّل قرار حظر الصيد في بحيرة ناصر نقطة تحوّل بيئية فارقة، حيث أتاح الفرصة للمنطقة لاستعادة توازنها البيئي، فقد شهدت مؤشرات التنوع البيولوجي تحسناً ملحوظاً وعودة عدد من الأنواع التي كانت مهددة بالاختفاء، ولم يقتصر هذا التحسن على الجانب البيئي فقط، بل فتح الباب أمام مسارات بديلة للتنمية، مثل السياحة البيئية ومراقبة الطيور، والتي بدأت فعلياً في توفير مصادر دخل جديدة لبعض المجتمعات المحلية في أسوان، لا سيما مشغلي القوارب والصيادين السابقين.

 

وتُوّج هذا النجاح باكتشاف علمي بالغ الأهمية، حيث وثّقت الجمعية المصرية لحماية الطبيعة، بالتعاون مع خبراء دوليين، أول تسجيل لتكاثر طائر “النسّاج القروي” في مصر، وتحديداً في منطقة أبو سمبل. وهو مؤشر قوي على تحسن البيئة الطبيعية في البحيرة، واستعادة توازنها الطبيعي، بما يسمح ليس فقط بعودة الأنواع التي كادت تختفي، بل أيضاً باستقبال أنواع جديدة.

 

ولتعزيز هذا التحول الإيجابي، تطلق الجمعية المصرية لحماية الطبيعة حماية الطبيعة (NCE) حملتها الوطنية بعنوان “حتى تعود الطيور” لحماية الطيور المهاجرة والمقيمة، والدعوة إلى تمديد قرار وقف الصيد في بحيرة ناصر لعام ثالث (2025–2026). بهدف الحفاظ على ما تحقق من مكتسبات بيئية واقتصادية، وتحويل الأمر إلى نموذج وطني يُحتذى به في إدارة المناطق الطبيعية والمناطق الحساسة بيئياً في مصر، وبما يعكس التزامًا فعلياً بحماية التنوع البيولوجي.

 

وتأتي هذه الجهود في إطار التزام مصر الراسخ بتنفيذ خطة روما الاستراتيجية (The Rome Strategic Plan – RSP)، وهي مبادرة دولية طموحة، اعدت تحت مظلة كل من اتفاقية الحفاظ على الأنواع المهاجرة (CMS) واتفاقية بيرن، وتمتد من عام 2020 إلى 2030، بهدف مكافحة الصيد والقتل والاتجار غير القانوني للطيور، لاسيما الطيور المهاجرة. وتضع الخطة هدفاً واضحاً يتمثل في تقليص هذه الممارسات بنسبة لا تقل عن 50% بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2020.

 

وباعتبارها عضواً فاعلاً في فريق العمل الحكومي الدولي المعني بمكافحة الصيد غير القانوني للطيور (MIKT)، تلتزم مصر بتطبيق نهج متكامل لتنفيذ هذه خطة روما الاستراتيجية، بحيث يشمل فهم أبعاد المشكلة، وتعزيز التدابير الوقائية، وتطوير الأطر التشريعية، وتفعيل آليات إنفاذ القانون، وضمان تحقيق العدالة في الجرائم البيئية ذات الصلة. كما تعتمد الخطة على آليات تقييم دوري لقياس التقدم المحرز، بما يضمن تحقيق الأهداف المنشودة وتعزيز مكانة مصر كشريك دولي مسؤول في حماية التنوع البيولوجي.

 

تشمل حملة “حتى تعود الطيور” سلسلة من الأنشطة التوعوية والإعلامية والمجتمعية، تنفذ بالشراكة مع وزارات البيئة والسياحة والداخلية، وبالتعاون مع جمعية كتاب البيئة والتنمية وعدد منظمات المجتمع المدني. بهدف تعبئة الرأي العام بأهمية حماية الطيور والحياة البرية، وتفعيل دور المواطن كشريك أساسي في جهود الحماية، سواء من خلال الإبلاغ عن الانتهاكات، أو المشاركة في حملات الرصد والتوعية، أو بدعم السياحة البيئية كبديل حضاري واقتصادي يحترم البيئة ويضمن استدامة مواردها.

 

وتحذر الحملة من أن التراجع عن قرار الحظر، أو عدم تجديده، يعني العودة إلى مشهد الفوضى والانتهاكات البيئية، وتقويض ما تحقق من تقدم في السنوات الأخيرة. ولن يكون ما سيحدث في بحيرة ناصر وما حولها مجرد “صيد”، بل قتل ممنهج، واعتداء صارخ على الطبيعة

كما تؤكد أن التفريط فيما تحقق من تقدم خلال العامين الماضيين، سيكون بمثابة نسف متعمد لأي فرصة حقيقية في مستقبل اقتصادي مستدام يقوم على السياحة البيئية واحترام التنوع البيولوجي.

 

اليوم، لم تعد أصوات الطيور قادرة على الدفاع عن نفسها. وحده صوت الناس، والمؤسسات، والإعلام، قادر على حماية ما تبقى من أمل… هذا هو الوقت المناسب للتحرك، فمصر بتاريخها البيئي الغني وموقعها الحيوي على خارطة الطيور المهاجرة لا يجب أن تُعرف كمكان يُقتل فيه الجمال، بل كدولة تصون تنوعها البيولوجي، وتحمي ثرواتها الطبيعية.. دولة تمنح فيها الطيور وكل ما هو حي فرصة آمنة للحياة والاستمرار.

“حتى تعود الطيور” ليس مجرد شعار، بل دعوة مفتوحة لحماية الطبيعة، ووقفة في وجه الرصاص…

قبل أن تختفي التغريدة الأخيرة ويصير الصمت هو العنوان.

 

الجمعية المصرية لحماية الطبيعة

 

#خليها_تعيش #رجّعوا_صوت_الطيور

#مصر_مش_ساحة_جريمة #مصر_مش_ملجأ_للمخالفين

By admin