قراءةٌ فاحصةٌ لمقالةِ د/ ابن حبتُور لن تكُونَ عَدَن والمُحافظاتُ الجنوبيَّةُ مِرتعاً للغُزاةِ الأجانبِ مرَّةً أخرى

بقلم مُحمَّد الجوهري.

بعنُوانٍ ناريٍّ يقتربُ من نبرةِ الوعيدِ الصَّريحِ، كما هوَ لجهةِ قُربهِ منَ القسمِ المُضمَّخِ بحميميَّةِ الولاءِ وفخرِ الإنتماءِ للوطنِ اليمنيِّ العظيمِ، سطرَ دولةُ البرُوفِ عبدِ العزيز صالحِ بنِ حبتُور مقالَتَهُ هذه المُغَيَّرَةَ في بعضِ تفاصيلِ مُحتواها لما اعتدنا عليهِ من مقالاتٍ سابقةٍ، ولهُ – فيما ذهبَ إليهِ من خطابٍ مُغايرٍ – مُبرراتٌ راهنةٌ استوجبتْ ذلكَ النوعَ منَ التناولِ المُتكِئِ على بعثِ الفزعةِ والنَّخوةِ الوطنيَّةِ ، لا سيَّما وهوَ يرى التَّدهورَ الذي أصابَ مُختلفَ مجالاتِ حياةِ المُواطنينَ في عدن وبقيَّةِ المُحافظاتِ الجنوبيَّةِ الخاضعةِ لإحتلالِ دولِ التحالفِ الرُّباعيَّةِ وفي المُقدمةِ دولتا الإقليمِ وتنمُّرهما على أبناءِ بلادهِ، وخصُوصاً مشيخةَ الإماراتِ الحاقدةِ بتغوُّلٍ لا حُدودَ لهُ …!!

هذهِ التَّوطئةُ التوضيحيَّةُ ضروريَّةٌ لما قد يجدُهُ القارئُ الكريمُ من اختلافي مع الكاتبِ الفذِّ في بعضِ المحاورِ في ثنايا مقالتِهِ هذه تحديداً، كما ستردُ لاحقاً في قراءتي الفاحصةِ لمقالتهِ هذه التي تطغى عليها السِّمةُ التوثيقيةُ للأحداثِ والوقائعِ المُوشَّاةِ بأسماءِ العديدِ منَ النُّخبِ الثوريَّةِ الكفاحيَّةِ الثقافيةِ والفكريةِ من مُؤسِّسي حركةِ اليسارِ التي تصدَّرتْ أحياناً مسيرةَ الحركةِ الوطنيَّةِ اليمنيَّةِ ، ولا ينقصُ من قيمةِ المقالةِ وأهميتِها غيابُ جمعٍ مُباركٍ من أولئكَ الرُّوَّادِ والنُّخبِ؛ كونَ أعدادُها غفيرةً وذاكرةُ صديقي الكاتبِ ليستْ حاسوبيَّةً، ناهيكَ عن انَّ الحيزَ في المقالةِ قد ضاقَ بأسماءِ من ذكرَهُم مُجتهداً قدرَ استطاعتِهِ، مشكُوراً لكن “أبو يمن يريدُ الكمالَ” وهوَ أمرٌ لا يستطيعُهُ إلا القويُّ المُقتدرُ سبحانَهُ تباركَ وتعالى ربُّ العرشِ العظيمِ …

يلجُ الكاتبُ مقالَتَهُ بتوصيفٍ لحالةِ المشهدِ السياسيِّ اليمنيِّ مُعتمداً على مُعطياتٍ من علمِ الاجتماعِ السياسيِّ / الفلسفيِّ؛ لإيضاحِ جوانبَ وزوايا في الشارعِ اليمنيِّ العامِّ الذي تكتظُّ في “قلبهِ الصَّلبِ” وعلى ضَفافِ ذلكَ القلبِ عددٌ منَ التناقضاتِ والخلافاتِ في الرؤى والاقتناعاتِ، منها المُتصادِمُ، وذلكَ المُتقاطعُ، وأخرى مُتشابكةٌ مع بعضِها بينَ الخُصُومِ والفُرقاءِ، كما هيَ كذلكَ بينَ الحُلفاءِ أحياناً، كعادتِهِ في التَّأصيلِ المنهجيِّ والعلميِّ لما يتناولُهُ خاصَّةً عندَما يكونُ الشَّأنُ وازناً، بل ومصيريَّاً كما هوَ هنا، وبذلكَ ينتظمُ السِّياقُ بمنطقيَّةٍ تسهلُ على القارئِ فهمَ المقالةِ والهدفِ من وراءِ كتابتِها التي – بحسبِ اعتقادي – فهيَ لا تخرجُ عن نطاقِ الهمِّ الوطنيِّ والقلقِ من زيادةِ تدهورِ أوضاعِ مُواطنيهِ أكثرَ ممَّا هيَ عليهِ، من سوءٍ وضيمٍ واجحافٍ( كرَّستْهُ مشيخةُ أبوظبي تحديداً) يئنونَ تحتَ وطأتِهِ خاصَّةً أبناءَ حاضرةٍ كانتْ من أهمِّ حواضرِ العالمِ منذُ مُنتصفِ خمسينيَّاتِ القرنِ الفارِطِ.. نعم عدنُ كانتْ هي تلكَ الحاضِرةَ…
قبلَ الدخولِ بقراءتي الفاحِصةِ (في متنِ هذه المقالةِ الأصرمِ الفرعيّ + الرَّئيسِ ) أقصدُ ” المحطاتِ التأريخيَّةَ + التَّساؤلاتِ الثلاثةَ كمتنٍ رئيسٍ” أحبُّ التأكيدَ لقارئِ المقالةِ العزيزِ، أو السَّامعِ المُحترمِ بهِ (المقالة أقصدُ كونَ الثقافةِ السمعيةِ لها أفرادُها، وهم كثرٌ كذلكَ في مجتمعِنا، والمُنتشرينَ في المُنتدياتِ، أو مجالسِ القاتِ بدواوينِ عليَّةِ القومِ، ونُخبِهِ الاجتماعيَّةِ بعدن، وصنعاءَ وغيرِهِما من عواصمِ المُحافظاتِ اليمنيَّةِ.. نعم تأكيدَ القولِ بأنَّها مقالةُ العامِ ٢٠٢٥م، أوَّلاً: (ابتدعَ تقنيةَ الدَّمجِ والتركيبِ بكتابةِ مقالةٍ سياسيَّةٍ بمتنينِ (فرعيٍّ + رئيسٍ) ، ثانياً: أقولُ لكُم بكُلِّ يقينٍ وثقةٍ: فالكاتبُ قد سطرَهُ بروحٍ إبداعيَّةٍ / كفاحيَّةٍ ليسَ مُبالغةً مني، أو مُداهنةً، فأنا مثلُهُ، بل لا أقلُّ عنهُ كفاحيَّةً في القضايا التي تخصُّ الشَّأنَ العامَّ الوطنيَّ / القوميَّ، وكذلكَ الدينيَّ معاً، والمُجايلونَ لنا منَ الزُّملاءِ والأصدقاءِ والمعاريفِ يعلمونَ ذلكَ جيداً، (لذلكَ يجبُ أن تُقرأَ المقالةُ بالبصرِ والبصيرةِ)، أيضاً من أجلِ الوقوفِ على كافةِ الأبعادِ والأهدافِ التي أرادَ الكاتبُ ابلاغَها للجميعِ ،وفي مُقدمتِهِم كوكبةُ النُّخبةِ العدنيَّةِ، التي تُمثِّلُ طليعةَ المُجتمعِ الرَّائدةَ، وما تتحمَّلُهُ هذهِ الرَّيادةُ من مسؤوليَّاتٍ قياديَّةٍ تنويريَّةٍ وكفاحيَّةٍ في قيادةِ جماهيرِ الشَّعبِ العدنيَّةِ خاصَّةً والجنوبيَّةِ عامَّةً ، في هذهِ اللحظةِ التاريخيةِ الفارقةِ التي بلغتْ فيهِ الأوضاعُ بغليانِها حدَّ الانفجارِ المُنذرِ بالحربِ الأهليةِ، وهوَ ما تستعجلُهُ مشيخةُ “الشرِّ” أبوظبي، وأزلامُها المُنبطحونَ، الذينَ تُغذقُ عليهِمْ من أموالِ البترودولارِ؛ لتنفيذِ أجندتِها المشبُوهةِ للسَّيطرةِ على الثرواتِ والموانئِ، والجُزرِ ،وأهمِّ الممارِّ البحريةِ اتِّساقاً مع المشروعِ الانجلوسكسُونيِّ / الصُّهيونيِّ .. لقد اجتهدَ دولةُ البرُوفِ ابن حبتُور جهدَ استطاعتِهِ في الشَّرحِ والتَّوضيحِ من خلالِ علمِ الاجتماعِ ،والتاريخِ الذي استدعاهُ عبرَ المحطَّاتِ المحوريَّةِ (كما سيُلاحظُ الجميعُ، وذلكَ منذُ مُنتصفِ القرنِ الماضي حتَّى راهنِ أيامِنا هذِهِ بكثيرٍ منَ الإصرارِ؛ لإبلاغِ رسالتِهِ في هذه المقالةِ، لعلَّ وعسى ان تستوعبَ ذلكَ الإنتلجانسيا العدنيَّةُ كما يُشيرُ إليهِ في هذهِ الرسالةِ البليغةِ في أهدافِها ومضامينِها.
لرُّبما كانَ الاسهابُ فيما سلفَ ضرورةً استدعتْها الإحاطةُ الفاحِصةُ لمقالةٍ مُهمَّةٍ جداً يجبُ أَنْ تُقرأَ بعيونٍ يقظةِ البصيرةِ كذلكَ، وليستْ بنظرةٍ عابرةٍ (كماسحٍ ضوئيٍّ)، حيثُ تعمَّدَ الكاتبُ الفطِنُ في توطئةِ المقالةِ الاستنادَ إلى علمِ الاجتماعِ الفلسفيِّ السياسيِّ، بينما نراهُ في بدايةِ المتنِ الفرعيِّ يتَّكِئُ على التاريخِ من خلالِ حشدِ ثمانيَ محطاتٍ تاريخيةٍ، وقبلَها أوردَ بلمحةِ حُزنٍ فقرةً مُكثَّفةً من سطرينِ فقطْ” عن مُعاناةِ شعبِنا اليمنيِّ؛ لينسلَّ انسلالاً رشيقاً إلى تلكَ المحطاتِ الثمانِ بمهنيَّةٍ لافتةٍ يُحسدُ عليها بكُلِّ صراحةٍ، والتي سنذكرُها لكُم من دونِ تفاصيلِها، ومن رغبَ في الاطلاعِ على تلكَ التفاصيلِ يُمكنُهُ الرُّجوعُ إلى النصِّ الأصيلِ، و التي هيَ كالآتي :-
١ – ثورةُ ٢٦ سبتمبر ١٩٦٢م.
٢- ثورةُ ١٤ أكتوبر ١٩٦٣م. أوَّلُ نِقاطِ خلافي مع الكاتبِ، حيثُ كانَ حادثُ يومِ ١٤ أكتوبرَ عبارةً عن خلافٍ قبليٍّ بينَ أميرِ المنطقةِ وأفرادٍ من شيوخِ قبيلتِهِ، أمَّا يومُ انطلاقةِ الثورةِ المُسلحةِ ضدَّ الاستعمارِ البريطانيِّ هوَ يومُ ١٠ ديسمبرَ ١٩٦٣م، حيثُ تمَّ القاءُ قنبلةٍ يدويَّةٍ على المندُوبِ السَّامي البريطانيِّ “كينيدى تريفيسكس” وعددٍ من وزراءِ حُكومةِ الاتحادِ الفيدرالىِّ الذَّاهبينَ إلى لندنَ عاصمةِ الدَّولةِ الاستعماريَّةِ بريطانيا، وهيَ الانطلاقةُ التي تناقلتْها كافَّةُ وسائلِ الإعلامِ العالميةِ
٣- الاستقلالُ ٣٠ نوفمبر ١٩٦٧م.
٤- الوحدةُ اليمنيَّةُ ٢٢ مايو ۱۹۹۰م.
٥- اسقاطُ الإنفصالِ ٧ يوليو ١٩٩٤م.
٦ – ١٨ مارسَ ٢٠١٣م تدشينُ مؤتمرِ الحوارِ الوطنيِّ الشَّاملِ.
٧ – ٢١ سبتمبرَ ٢٠١٤م انتفاضةُ أنصارِ الله.
٨- ٢٥ مارسَ ۲۰۱۵م. بدايةُ العدوانِ التحالفي الغاشِمِ والغادِرِ على اليمنِ.
صحيحٌ أنَّ الكاتبَ مارسَ التكثيفَ (بالمتنِ الفرعىِّ الذي أسماهُ توطئةً بمهارةٍ معطوفةٍ على قُدرةٍ مِهنيَّةٍ أصبحَ يتمتَّعُ بها بالرَّغمِ من أنَّهُ ليسَ كاتباً صحفياً مُحترفاً، حيثُ ذهبَ مُجملاً تناولَهُ السرديَّ التوضيحيَّ لتلكَ المحطاتِ الثمانِ والتي أصبحتْ راسخةً في عقولِ وضمائرِ أبناءِ شعبِنا جنوباً وشمالاً، كإنتصاراتٍ ابتهجنا بها، أو إرهاصاتٍ حزنَّا من خيباتِها، لكنَّهُ في السِّياقِ يضعُ سؤالاً كأنهُ تعمَّدَ وضعَهُ للعصفِ الذِّهنيِّ للقُرَّاءِ، فيهِ الكثيرُ من الحسرةِ نصُّ : ( السُّؤالِ الصَّعبِ، والقاسي، وشديدِ المَرَارةِ ، كم هو عددُ الشُّهداءِ الأبرارِ الذين رووا بدمائهم الزكيَّةِ تُربةَ اليمنِ الطَّاهرةَ ، وأينَ سقطُوا ، بل لنقلْ أين ارتقتْ أرواحُهُمُ الزَّكِيَّةُ في السَّمَاواتِ العُلى عندَ خالقِهمُ الرُّؤوفِ الرَّحيمِ في هذهِ الرحلةِ المُضنيةِ من حياةِ شعبِنا، وكمْ هُمُ الضَّحايا الذينَ تضرَّرُوا من جرَّاءِ حُدُوثِها . ) ، وهوَ سؤالٌ مُهمٌّ لم يلقَ حتَّى اليومِ مَن يُجيبُ عليهِ بتجرَّدٍ وحياديةٍ من مُختلفِ القياداتِ الحزبيةِ السياسيةِ أو النُّخبِ الأكاديميةِ والفكريةِ الثقافيةِ المُصنفينَ ضمنَ طبقةِ الانتليجنسيا اليمنيَّةِ )، مُكتفياً بسردٍ تكميليٍّ مفادُهُ أنَّ كُلَّ ذلكَ قد أصبحَ في ذِمَّةِ التاريخِ الحافظِ للحوادثِ والأحداثِ والوقائعِ بأسماءِ شُخُوصِها وخُلاصاتِها كذكرىً ودُرُوسٍ وعِبَرٍ، تتمُّ العودةُ إليها في إطارِ البحثِ والتَّمحيصِ في كنفِ الجامعاتِ والمراكزِ التخصصيةِ البحثيةِ، ومن قبلِ طلبةِ الدِّارساتِ العُليا والباحثينَ والسياسيينَ المُهتمينَ في المجالاتِ الحزبيةِ؛ للإستفادةِ من فحوى مضامينِها ليختتمَ المتنَ الفرعيَّ بقولِهِ هذهِ التَّوطئةُ – التي سردتُها بعُجالةٍ – هيَ سرديَّةٌ مُستوحَاةٌ مِنَ الذَّاكرةِ؛ كي تكُونَ مُدخلاً طبيعيَّاً لموضُوعٍ مُهمٍّ قد شغلَ العديدَ منَ المُثقَّفِينَ، والكُتَّابِ، وحتَّى السياسيينَ ، لكنَّ البعضَ من هؤلاءِ يتناولُونَ الأمرَ بشيءٍ منَ السَّطحيَّةِ، ورُبَّما السَّذاجةِ حينما يُدافِعونَ بموقفِهمُ السياسيِّ اللحظيِّ عن ذلكَ الواقعِ الذي أصبحَ مكشُوفاً عارياً لا تُغطيهِ الأكاذيبُ، ولا الدِّيماغوجيَّةُ البلهاءُ، ولا يُمكنُ تغطيةُ عينِ الشَّمسِ بمُنخلٍ كما يقولُ المثلُ.)، بالرَّغمِ من أنَّهُ اختتامٌ فيهِ شيءٌ منَ التعسُّفِ الجلفِ، لكنَّ مُبرِّرَهُ أنَّهُ ليسَ موضوعَنا الرئيسَ، وإن كانتْ لهُ أهميَّتُهُ المُتفقُ عليها من دُوْنِ شكٍّ…
أمَّا ولوجُهُ للمتنِ الرئيسِ فقد جاءَ مُكثَّفاً كذلكَ بسطرينِ ونصفِ السَّطرِ فقطْ، ليقولَ أنَّهُ يُفضِّلُ الدُّخولَ فيهِ مُباشرةً، ومنَ البابِ السَّهلِ عبرَ وضعِهِ ثلاثةَ أسئلةٍ مشرُوعةٍ، كي تُقرأَ نتائجُ وخُلاصاتُ إجابتِها بصُورةٍ علميَّةٍ وموضُوعيَّةٍ بعيداً عنِ التشنُّجاتِ والتَّعصُّبِ الذي لا يخدمُ سوى أعداءِ وطنِنا، وهذةِ الأسئلةُ ننقلُها لكُم أيضاً بالنصِّ : (* ١- متى بُدِئَ العُدوانُ السعوديُّ الإماراتيُّ، والخليجيُّ على المُدنِ اليمنيَّةِ؟؟؟ ٢ – * كم عددُ تلكَ الدُّولِ التي ساهمتْ في عُدوانِ عاصفةِ الحزمِ على اليمنِ ؟؟؟ ٣- * ماهيَ النتائجُ المأساويَّةُ التي تعرَّضَ لها شعبُنا اليمنىُّ من جرَّاءِ ذلكَ العُدوانِ الوحشيِّ حتَّى لحظةِ كتابتِنا هذهِ المقالةَ في يومِ الثلاثاءِ، المُوافقِ ٨ يوليوَ ٢٠٢٥م.) ، أمَّا الإجابةُ عليها فقد كانتْ توصيفاً يقطرُ حُزناً ينقصُهُ البكاءُ فقطْ، لكنَّ الرِّجالَ لا تبكي، وإن قتلَها القهرُ كَمَداً، شارحاً ما آلتْ إليهِ أوضاعُ اليمنِ عمُوماً، و أوضاعُ ” عدن ثغرِها الباسمِ” على وجهِ الخصُوصِ من حالةٍ مُزريةٍ يُرثَى لها يكتنفُها البُؤسُ والرُّعبُ والتَّدميرُ المُمنهجُ لجُغرافيتِها، وبُناها التَّحتيةِ، ومعيشةِ مُواطنيها وسُكَّانِها، مُؤكِّداً انَّ سببَ ذلكَ مردُّهُ إلى الصِّراعاتِ الحزبيةِ بينَ الفُرقاءِ والخُصومِ السياسيينَ الرَّاغبينَ في كراسي السُّلطةِ، مُضافاً إليهِ نتائجُ حربِ العُدوانِ الغاشمِ على بلادِنا، تلكَ الحربُ التي ماتزالُ مُستمرَّةً مُنذُ أكثرَ من عشرِ سنواتٍ، من حيثُ أنَّهُ عُدوانٌ غيرُ مُتكافِئٍ شُنَّ بقيادةِ السُّعوديةِ ومشيخةِ الإماراتِ ضمَّ تحالُفاً دوليَّاً عربيَّاً + إسلاميَّاً ظُلماً على بلدٍ فقيرٍ، مزَّقتْهُ الازمةُ السياسيةُ مطلعَ العامِ ٢٠١١م، وكلُّ ما كانَ يُعانيهِ اليمنُ من تدهورٍ معيشيٍّ تنمويٍّ كنتيجةٍ تراكُميَّةٍ لعقودٍ منَ العُزلةِ والحِصارِ، حيثُ انتهزَ الإخوانُ المُسلمُونَ في اليمنِ (مَن يُسمُّونَ أنفسَهُم تجمُّعَ الإصلاحِ) + الأحزابَ المُؤتلِفةُ معهم (اللقاء المُشترَك) بالإضافةِ إلى العاطلينَ عنِ العملِ ،والفئاتِ المُهمَّشةِ، وشخصيَّاتٍ سياسيةٍ، تمرَّدُوا راكبينَ على موجةِ القوى الشَّبابيةِ البريئةِ نواياهُم إلا من رغبةٍ في تغيرِ أوضاعِ معيشتِهِم، وتمَّ التجييشُ للقبائلِ، وشُذَّاذِ الآفاقِ ،ودعمتِ السَّفاراتُ الأجنبيةُ تلكَ الموجةَ وراكبيها، من خلالِ دعمٍ مادِّيٍّ ولوجستيٍّ سخيٍّ، فنُصبتِ الخيامُ، والأكواخُ، والصَّنادقُ أمامَ ساحةِ جامعةِ صنعاءَ، وأقيمَ مِنبرٌ خطابيٌّ ضخمٌ مُجهَّزٌ بأحدثِ تقنياتٍ صوتيَّةٍ مع الإضاءةِ، وغُرفِ الأخبارِ والمُؤتمراتِ الصَّحفيةِ؛بهدفِ التَّحريضِ، وتشجيعِ العَوَامِ؛ لترديدِ هُتافِهمُ الشَّهيرِ (الشَّعبُ يُريدُ اسقاطَ النِّظامِ)، وأصبحَ ذلكَ المِنبرُ مَزاراً لسُفراءِ الاتحادِ الأورُوبيِّ + أمريكا، وحُلفائِهم منَ الدُّولِ العربيَّةِ والأجنبيَّةِ .. وبقيَّةُ القِصَّةِ معرُوفةٌ للجميعِ تقريباً، كيفَ اشتغلتْ قنواتُ التلفزةِ، بل وكاملُ الملتيميديا الغربيةِ، ومعها طواقمُ معظمِ السَّفاراتِ العربيَّةِ والأجنبيَّةِ، حيثُ أسمتْ ذلكَ الجمعَ غيرَ المُباركِ (ثُوارَ الرَّبيعِ العربيِّ)…
وهُنا النُّقطةُ الخلافيَّةُ الثانيةُ مع الكاتبِ الفذِّ. لم يتزامنْ ما سُمِّيَ الربيعَ العربيَّ مع خُروجِ الناسِ في عدن، لا بل إنَّ الحِراكَ الانفصاليَّ الجنوبيَّ قد كانَ يكادُ أَنْ ينطفئَ بعدَ أكثرَ من أربعِ سنواتٍ منَ الزَّوبعةِ والجعجعةِ بدونِ طحينٍ، ولم ينفعْهُ اخرُ الحيلِ فانُوسُ ابنِ حُلبُوب بساحةِ العروضِ، أو مُحاولةُ رفعِ علمِ دولةِ الجنُوبِ بكُليَّةِ التربيةِ عدن، حيثُ انفضَّ الناسُ من حولِ الحِراكِ الانفصاليِّ الجنوبيِّ، ولم يبقَ سوى نفرٍ منَ المُستفيدينَ منَ التحويلاتِ الماليةِ التي تأتي من بعضِ المُغتربينَ في بلادِ الانجلوسكسُونِ، أو الدولِ الخليجيةِ بتشجيعٍ من مُخابراتِ تلكَ المهاجرِ، فجاءتْ أحداثُ فبرايرَ ٢٠١١م؛ لإنعاشِ الحِراكِ الانفصاليِّ الجنوبيِّ الذي وجدَ في دعمِ السَّفاراتِ الأجنبيةِ اللوجستيِّ والمادِّيِّ والدَّوراتِ التأهيليةِ الخارجيةِ لتعليمِهم كيفيَّةَ إثارةِ الفوضى الخلاقةِ، وتمكنِهم من فُرصةٍ جديدةٍ؛ لتخليقِ زخمٍ استثنائيٍّ لحراكِهمُ الانفصاليِّ، الذي بدأَ بتجميعِ الشَّبابِ والشَّاباتِ المُخرِّجينَ، والعاطلينَ عنِ العملِ والعوامِ منَ الناسِ الأبرياءِ الرَّاغبينَ في تغييرِ أوضاعِهمُ المادِّيةِ والمعيشيَّةِ، وهُنا تسلَّلَ الإخوانُ المُسلِمُونَ، والجماعاتُ السياسيةُ ذاتُ الخلفياتِ الاشتراكيةِ والقومجيَّةِ وسطَ تلكَ الجُمُوعِ بيُسرٍ وسُهُولةٍ بصوتٍ خافتٍ في البدايةِ، وعلى استحياءٍ؛ كونُهُم قدمُوا مُتأخِّرينَ لمعمعةِ عدن، لكنَّهُم جلبُوا معهم شِعارَهمُ المركزيَّ (الشَّعبُ يُريدُ إسقاطَ النظامِ)، وفي عدن اشتغلتِ القُنصلياتُ، نفسُ شُغلِ السَّفاراتِ بصنعاءَ، بل وأكثرَ؛ بسببِ انفتاحِ عدن، وكثرةِ عددِ المُتخرِّجينَ، والمُتعلِّمينَ بصُورةٍ عامَّةٍ فيها…
هكذا كانتْ صُورةُ المشهدِ السياسيِّ في عاصِمتي الشَّمالِ والجنوبِ، ولا نغفلُ دورَ عاصمةِ الوسطِ تعز الحالمةِ التي رُجَّتْ بعُنفٍ، حيثُ قامَ الإخوانُ المُسلِمُونَ وجماعاتُ اليسارِ (الاشتراكيونَ + القومجيونَ)، بإجبارِ ناسِها على تخليقِ مُسيَّرٍ شعبيٍّ راجلٍ من قلبِ ساحةِ اعتصامِهم، وصُولاً إلى صنعاءَ سيراً على الأقدامِ، طبعاً تجييشاً للغلابةِ السَّاهنينَ، وكذلكَ الشَّبابِ العاطلينَ عنِ العملِ …. وطبعاً “محمُولينَ مشمُولينَ” الأكلَ والشُّربَ، والقاتَ على المُجيِّشينَ، كُلُّ ذلكَ لكسرِ حاجزِ الخوفِ لدى المُواطنِ منَ النظامِ، واسقاطِ هيبةِ الدَّولةِ؛ لضمانِ نجاحِ (فوضاهُم الخلَّاقةِ) وتأسيساً على صُورةِ ذلكَ المشهدِ السياسيِّ المُحتقِنِ اقنعَ السُّفراءُ الغربيونَ والسُّفراءُ الإقليميُّونَ (الخليجيُّونَ بالذاتِ) سيناريو القيامِ بمُبادرةٍ سياسيةٍ يتحمَّلونَ مسؤوليَّةَ الإشرافِ عليها، ويتولُّونَ تمويلَها تُسمَّى (المُبادرةَ الخليجيةَ)، ويتشاركُونَ مع الفُرقاءِ اليمنيينَ في وضعَ مُفرداتِ النِّقاطِ الخِلافيَّةِ ومُقترحاتٍ بالحُلولِ على أَنْ تكُونَ وفقَ إجندةِ أعمالٍ مُزمَّنةٍ، حيثُ تمَّ كلُّ ذلكَ بالفعلِ من خلالِ الحِوارِ الوطنيِّ الشَّاملِ الذي دُشِّنَ بتاريخِ ١٨ مارسَ ٢٠١٣م – وانتهى بتاريخِ ٢٥ ينايرَ ٢٠١٤م ، اشتركتْ فيهِ كافَّةُ القوى السياسيةِ المُختصِمةِ تقريباً، حيثُ كادَ الجمعُ الوطنيُّ يتمكَّنَ من حلِّ كافَّةِ المُعضلاتِ، والخِلافاتِ الرَّئيسةِ ولم يتبقَّ سوى بعضِ التفاصيلِ .. بشهادةِ المبعُوثِ الأمميِّ “جمالِ بنِ عُمرَ ” الذي حضرَ اتفاقَ السِّلمِ والشَّراكةِ بينَ أنصار اللهِ (الرَّئيسِ) + حُكومةِ الباسندُوةِ، لكنْ لم يعلمِ الجميعُ بالقرارِ الغادِرِ بشنِّ حربِ العُدوانِ على اليمنِ على لسانِ وزيرِ الخارجيةِ السُّعوديِّ من واشنطنَ في تاريخِ ٢٥ مارسَ ٢٠١٥م، تلكَ الحربُ الغاشِمةُ التي ماتزالُ قائمةً لأكثرَ من عشرِ سنواتٍ حتَّى يومِنا هذا زمنِ كتابةِ مقالةِ دولةِ البرُوفِ ابنِ حبتُور بحسبِ ما كتبَ … ٨ يوليو ٢٠٢٥م …
كما أوضحَ الكاتبُ انهُ يسطرُ مقالَتَهُ هذه من وحي ذاكرتِهِ الشَّخصيةِ وليسَ من أضابيرِ الملفَّاتِ الحُكوميةِ الرَّسميَّةِ أو الحزبيَّةِ السياسيةِ، تلكَ الذاكرةِ المليئةِ بكمِّ الحُزنِ، والقهرِ على ما حاقَ ببلادِهِ منَ التقتيلِ لأبناءِ وطنِهِ الشُّهداءِ، ودُماءِ وأشلاءِ الجرحى والمُعوقينَ منَ الشيوخِ والنساء والأطفالِ، ناهيكُم عن ذلكَ التدميرِ المُمنهجِ للبُنى التَّحتيةِ والمُنشاآتِ من جامعاتٍ ومعاهدَ، ومُستشفياتٍ ومرافقَ صحيةٍ وتعليميةٍ عديدةٍ، وكُلُّها من عَرَقِ جهدِ وعملِ المُواطنِ اليمنيِّ الغلبانِ، ومُقدَّراتِ الشَّعبِ اليمنيِّ الصَّامدِ الصَّابرِ، على أيادي الجيرانِ الأشقَّاءِ المُلوَّثةِ بإزهاقِ أرواحِ الأبرياءِ، و إراقةِدمائِهم، يُساعدُهمُ الانجلوسكُسونُ، ودولُ حلفِ النِّاتو الاستعماريِّ، ومن اصطفَّ معهم منَ الأحزابِ، والقوى السياسيةِ اليمنيَّةِ العميلةِ التي ارتضتْ بالارتزاقِ، وبيعِ وطنِها بثمنٍ بخسٍ؛ لتعيشَ مُتموضِعةً في عواصمِ دُولِ العدوانِ في الرِّياضِ – أبوظبي – قطرَ، أو أنقرةَ.. فقد كانَ محورُ قوى العُدوانِ “الشرُّ الرَّئيسُ ” هُما مملكةُ آلِ سعُودٍ، ومشيخةُ أبوظبي مُتحمِّلينَ ما نسبتُهُ ٩٩% من أعباءٍ، وتكاليفَ ماليةٍ، وعسكريةٍ، وأمنيةٍ، ولوجستيةٍ، وهُما البلدانِ اللذانِ تقاسما جُغرافيَّةَ، وتضاريسَ المُحافظاتِ الجنوبيةِ، وموانئِها وجُزرِها، مُستعينينَ بالأزلامِ، والمُرتزقةِ منَ اليمنيينَ الذينَ ارتضوا العبوديةَ، والانبطاحَ للمُحتلِّ الأجنبيِّ…
كما أوضحَ كذلكَ إفكَهُم، وزيفَ شِعاراتِهم، وإدِّعاءاتِهمُ المرفوعةَ كهدفٍ مُعلنٍ إعلاميَّاً، بأنَّ تلكَ الحربَ؛ بهدفِ إعادةِ الشَّرعيةِ من خلالِ إعادةِ الرَّئيسِ السَّابقِ “عبدربة منصورٍ” المُنتهيةِ ولايتُهُ الشَّرعيةُ، ومعهُ كافَّةُ أجهزةِ الدَّولةِ، ومُؤسَّساتِها إلى العاصمةِ صنعاءَ، بذلكَ كانَ يُصرِّحُ ناطقُهُمُ الرَّسميُّ يومياً، وكذلكَ جميعُ قياداتِهم في اللقاءاتِ، والمُقابلاتِ الصَّحفيةِ منها والمُتلفَزةِ، وفي كُلِّ نشراتِهمُ الإخباريةِ المحليَّةِ، أو الفضائيةِ، وما زالَ جميعُ اليمنيينَ يتذكَّرونَ عُهُودَ أمراءِ، ومشايخِ دولِ العُدوانِ ووعودَهُم بجعلِ عدن – التي أعلنوها عاصمةً مُؤقَّتةً للبلادِ – حاضِرةً عصريَّةً مُزدهِرةً لا تقلُّ عن الرياضِ، أو أبوظبي، أو الدَّوحةِ، وما تزالُ تلكَ الوعُودُ والتصريحاتُ مُوثقَّةً في صحفِهم وأرشيفِ برامجِهمُ التلفزيونيةِ، وجرائدِ أخبارِهم، كما فضحَ الكاتبُ الفَطِنُ أنَّ كلَّ ذلكَ كانَ كلاماً للإستهلاكِ الإعلاميِّ وتنويمَ مُواطنينا في العسلِ، وأنَّ اخرَ هُمُومِهم هيَ مصالحُ الوطنِ والشَّعبِ اليمنيِّ، بدليلِ ما اصابَهُم من تدميرٍ، وعبثٍ بالمُقدَّراتِ، ونهبٍ للثرواتِ واستحواذٍ على المطاراتِ والموانئِ والجُزرِ، ناهيكُم عن تردِّي الأوضاعِ الاقتصاديةِ والمعيشيةِ، وانهيارِ سعرِ صرفِ الريالِ اليمنيِّ إلى مُستوياتٍ مُفجعةٍ، وما صاحبَها من انعدامِ الخِدماتِ الأساسيةِ (كهرباء – مياهٍ – صرفٍ صحيٍّ – خدماتٍ صحيةٍ وعلاجيةٍ) – كذلكَ انحدارِ التعليمِ والانقطاعاتِ المُتكرِّرةِ للعمليةِ التعليميةِ – انعدامِ الأمنِ وانتشارِ فوضى السِّلاحِ ،والقتلِ والاعتقالاتِ خارجَ نطاقِ القانونِ، يعني حالةً منَ الإذلالِ لمُواطني ما تُسمَّى المُحافظاتِ المُحرَّرةَ، لكنَّها واقعةٌ تحتَ احتلالِ قوَّاتِ التَّحالفِ السُّعوماراتيِّ بعدَ عشرِ سنواتٍ من احتلالِها الرَّسميِّ بمُوجبِ القرارِ الأمميِّ الذي تمَّ شِراؤُهُ بأموالِ البتردولارِ؛ ليكُونَ تحتَ نصُوصِ البندِ السَّابعِ المشؤومِ…
في هذهِ الفقرةِ بالذاتِ يُخاطبُ الكاتبُ برصانةٍ وصراحةٍ أبناءَ قومِهِ، وبالتحديدِ كوكبةُ النُّخبةِ منَ الانتليجنسيا العدنيةِ على اعتباراتِ مكانتِها الرياديةِ في المجتمعِ لتحملَ مسؤوليةً في رفعِ الظلمِ والمظلوميةِ التي نزلتْ بمُواطنيها، لا سيَّما بعدَ مرورِ أكثرَ من عشرِ سنواتٍ طحنَ المُحتلُّونَ الجُدُدُ الأخضرَ واليابسَ في الوطنِ، ابتداءً من مُقوِّماتِ السيادةِ الوطنيةِ، وسُلطةِ القرارِ في إدارةِ شُؤونِ البلادِ، وتعيينِ حتَّى القياداتِ المحليةِ، وليسَ انتهاءً بنهبِ الثرواتِ واغتصابِ الجُزرِ والتحكُّمِ بالمطاراتِ والموانئِ، بل أنَّ ذلكَ الطحنَ حينَما بلغَ ذروتَهُ الإذلالُ للشَّعبِ ،والتنكيلُ بأبنائِهِ وترويعُهم في سكينتِهم، وسلامِهمُ الاجتماعيِّ، وحُرمةِ بيوتِهم مع مُحاربتِهم في أرزاقِهم(التجويعُ، والافقارُ المُمنهجُ) .. فذلكَ أصبحَ أمراً يُقيمُ الحُجَّةَ على عدمِ تحرُّكِ طبقةِ الانتليجنسيا وصمتِها إزاءَ كلِّ تلكَ الأفعالِ المُنكَرةِ ديناً، وأخلاقاً وقانوناً، ولأنَّ مخاطبتَهُ هذهِ تهدفُ إلى التذكيرِ بالمسؤوليَّاتِ، والواجبِ لذلكَ اسهبَ الكاتبُ إيضاحاً، وشرحاً مُتوخِّياً الحصافةَ بمُفرداتٍ تسعى للإيقاظِ؛ بهدفِ الفزعةِ، وحتى لا يُفهمَ الأمرُ خارجَ سياقاتِهِ، وكيما يتمكَّنُ من وضعِ النقاطِ على الحُروفِ دونما شخصنةٍ أو تجييرٍ يُتهمُ بمُوجبِهِ أنهُ يسعى أو يهدفُ للفتنةِ بما تناولَتْهُ مقالتُهُ هذه، فهم كوكبةُ النُّخبةِ (الانتليجنسيا) القادرةُ على فهمِ واقعِ الأمورِ كافَّةً بدلالاتِها، وعلى استشرافِ مساراتِ المُستقبلِ وخُطورةِ مآلاتِهِ البائسةِ، ولا يعجزُها شأنُ فهمِ وتفنيدِ سرديَّاتِ المُحتلِّ ورواياتِهِ، وبالمُقابلِ معرفةُ إجندةِ مُخططاتِهِ، وأطماعِهِ الَّتي يسعى لتحقيقِها .. ومُلحقاً كلُّ ذلكَ الشرحِ بتوضيحٍ إضافيٍّ مُتكِئٍ فيهِ على التعريفِ القانونيِّ لجرميةِ الأفعالِ المُرتكَبةِ من قبلِ المُحتلِّ، وكلِّ مَن ساعدَهُ، أو تواطأ معهُ منَ اليمنيينَ ضدَّ أبناءِ شعبِهِ، ووطنِهِ، وما هيَ عقوبةُ ذلكَ الجُرمِ الواقعِ في نِطاقِ (الخيانةِ العُظمى للوطنِ،) مُختِتماً هذهِ الفقرةَ بما نصُّهُ: (هذا النصُّ القانونيُّ الدستوريُّ سيفهمُهُ بوضُوحٍ تامٍّ جميعُ المُنتسبينَ إلى طبقةِ “الانتلجنسيا” فحسبْ ، أما المُواطنونَ البُسطاءُ جُلُّهُم ينخدعونَ بالشِّعاراتِ البرَّاقةِ والكاذبةِ، والمسمُومةِ التي حاكَها الأعداءُ، وهم يشنُّونَ حربَ العُدوانِ على بلدِنا اليمنِ العظيمِ.)
في الفقرةِ الأولى منَ الجُزءِ الأخيرِ منَ المقالةِ ذهبَ الكاتبُ لإجراءِ مُقاربةٍ سريعةٍ استدعى من خلالِها التاريخَ لتوضيحِ مراميهِ من هذا التناولِ الصَّادقِ لجهةِ مصالحِ الشَّعبِ، وسيادتِهِ الوطنيَّةِ ، فأعادَنا إلى زمنِ “القبطانِ هينس” في يومِ ١٩ ينايرَ من العامِ ١٨٣٩م، وكيفَ كانتْ صُورةُ المشهدِ العظيمِ لمُقاومةِ وقتالِ جنودِ المُستعمِرِ على سواحلِ صيرةَ، حينها من قبلِ أبناءِ ثغرِ عدن، ليسَ ذلكَ فحسبْ بل وما بعدَهُ من أيامٍ استمرَّتْ فيها مُقارعةُ المُستعمِرِ البغيضِ، ومُنازلتُهُ بشراسةٍ، وشجاعةٍ يشيبُ من هَولِها شعرُ الرَّضيعِ، شاركَ فيها جُلُّ أبناءِ القبائلِ اليمنيَّةِ بطوقِ عدن، وما جاورَها من أريافِ الجنوبِ، حيثُ سجلتْ كُتبُ التاريخِ أسماءَ تلكَ القبائلِ ابتداءً من مشيخةِ العقربيِّ – العبدليِّ – الفضليِّ – العُزيبيِّ – الصُّبيحيِّ – العولقيِّ – الحوشبيِّ – اليافعيِّ – العلويِّ، وغيرِهم من مغاويرِ اليمنِ هبُّوا لقتالِ المُستعمِرِ، ومُقاومتِهِ طيلةَ أكثرَ من مائةٍ ونيفٍ منَ السنينَ…
ينتقلُ بنا الكاتبُ برشاقةٍ إلى زمنِ الخمسينيَّاتِ منَ القرنِ الفارطِ حقبةِ الثوراتِ التحرُّريةِ في العالمِ، وما سجَّلَهُ التاريخُ القريبُ من مآثرَ للحركةِ الوطنيَّةِ اليمنيَّةِ بقيادةِ طبقةِ الانتليجنسيا العدنيةِ واليمنيةِ عموماً والتي ضمتْ أسماءَ الرعيلِ الأوَّلِ منَ المُثقَّفينَ، ورجالِ الفِكرِ والأدبِ، وما سطروهُ من ملاحمَ كفاحيةٍ سياسيةٍ، وثقافيةٍ وحزبيةٍ ونقابيةٍ لا تنقصُها البطولةُ والإقدامُ لم يهجعْ بسببِها المُحتلُّ، أو يهنأْ بإستقرارٍ، كما أننا ما نزالُ نُعاتبُ بقسوةٍ، ولا نقيمُ وزناً لأبناءِ وأحفاد كلِّ مَن ساعدَ المُستعمِرَ، وتعاونَ معهُ وكانَ سنداً لهُ ضدَّ وطنِهِ وأبناءِ شعبِهِ طيلةَ الحقبةِ الاستعماريةِ في عدن والمشيخاتِ، والسَّلطناتِ في كلِّ ارجاءِ وطنِنا الغالي حتَّى يومِنا هذا ،فوصمةُ العارِ والخزيِ لا تسقطُ بالتقادُمِ كجريمةٍ خيانيةٍ وإنسانيةٍ…
وفي نقلةٍ أرشقَ كُثِّفتْ بسطرينِ قبلَ الانتقالِ الى آخرِ أجزاءِ متنِ مقالتِهِ البديعةِ يذهبُ الكاتبُ في استحضارِ قائمةٍ باذخةٍ تشملُ أسماءَ أشرفِ وأنبلِ رجالاتِ الانتليجنسيا العدنيةِ واليمنيةِ عموماً قائلاً :أنَّهُ نبشٌ وتفتيشٌ بعُجالةٍ في الذاكرةِ الوطنيَّةِ اليمنيةِ، لكلِّ من أرسى مداميكَ المُقاومةِ التحرريةِ ثقافياً ونقابياً وسياسياً وصُولاً إلى قيادةِ الثورةِ والكفاحِ المُسلَّحِ ضدَّ المُستعمِرِ البريطانيِّ … وأنا هنا ككاتبٍ لهذه القراءةِ الفاحِصةِ) أقولُ لكُلِّ مَن يرغبُ في معرفةِ كُلِّ المشمُولينَ في تلكَ القائمةِ المُباركةِ عليهِ بقراءتِها في النصِّ الأصيلِ للمقالةِ في موقعِ “مُؤسَّسةِ دارِ ابنِ حبتُور الخيريةِ للبُحُوثِ والتوثيقِ” ….
وفي خاتمةِ “مقالتِه” العامِ ٢٠٢٥م” نجدُ أنَّ صديقي الكاتبَ الفذَّ قد حرصَ على جعلِ الخاتمةِ مُميَّزةً بإعتذارٍ، وسؤالينِ مُحرجينِ ومُناشدةٍ وعددٍ منَ التنبيهاتِ المُؤدَّبةِ؛ مُدشِّناً لها، بالقولِ :إنَّ تلكَ القائمةَ الباذخةَ منَ المُناضلينَ والمُثقَّفينَ الذينَ كانَ لكفاحِهم، ومُقاومتِهمُ الشُّجاعةِ ضدَّ المُستعمِرِ البريطانيِّ وركائزِهِ وأعوانِهم في عدن والمحميَّاتِ الشرقيةِ والغربيةِ، هم ليسُوا سوى جُزءٍ يسيرٍ في عددِ تلكَ الأرتالِ المُباركةِ ضمنَ طبقةِ الانتليجنسيا العدنيةِ واليمنيةِ عامَّةً مُعتذراً عن قلةِ المعلوماتِ، وغيابِ التوثيقِ الأهليِّ والرسميِّ لأسماءٍ لامعةٍ بعضُهم قدَّمَ الرُّوحَ في سبيلِ انتصارِ الوطنِ على الاستعمارِ وأعوانِهِ، مُناشِداً الأجهزةَ والهيئاتِ الرسميةَ بما فيها الجامعاتُ والمراكزُ التخصُّصيةُ بذلَ قُصارى جهدِها في البحثِ والتحرِّي عن أسماءِ مَن صنعُوا لليمنِ العظيمِ أمجادَهُ التاريخيةَ…
مُسترسِلاً بالقولِ: نحنُ في حرصِنا بالدفاعِ كما هوَ الإشهارُ فخراً والتوقيرُ لتلكَ النُّخبِ منَ الانتليجنسيا العدنيةِ واليمنيةِ ممَّن أصبحوا في ذمَّةِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى، فنحنُ مُهتمُّونَ كذلكَ بمَن لا يزالوا عائشينَ بينَ ظهرانينا من طبقةِ الانتليجنسيا في مُدنِنا، وقُرانا وشوارعِنا وحوارينا كمُثقَّفينَ ومُناضلينَ أماجدَ، بل وحريصونَ على حمايتِهم، ونعملُ على تذكيرِهم وايقاظِهم من غفلتِهم التي طالتْ لعشرِ سنواتٍ عجافٍ من قهرٍ وضيمٍ وعسفٍ طالَ كلَّ أبناءِ شعبِنا في الجُزءِ الجنوبيِّ المُحتلِّ منَ اليمنِ هوَ أشبهُ بما كانَ يُمارسُهُ المحتلُّ البريطانيُّ، بل أسوأ بمراحلَ، حيثُ أنَّ مُمثلي سُلطتي الاحتلالِ السُّعوماراتيِّ في الجنوبِ يمارسونَ التعسُّفَ الوحشيَّ والإذلالَ المُهينَ من قتلٍ وقمعٍ وتعذيبٍ بحقِّ أئمَّةِ المساجدِ، وعُلماءِ الدِّينِ والشَّخصيَّاتِ السياسيةِ والاجتماعيةِ، أمَّا الجرائمُ الجماعيةُ ضدَّ شعبِنا فحدثْ ولا حرجَ من انعدامِ كافَّةِ الخدماتِ، وصُولاً إلى الإفقارِ والتجويعِ وفقدانِ الأمنِ والسَّكينةِ، أصبحَ كلُّهُ أمراً واقعاً، يتناولُهُ الاعلامُ والملتيميديا عربيةً وغربيةً، وليسَ سِرَّاً يُمكنُ التكتُّمُ عليهِ من قبلِ دولَتي الاحتلالِ، لتخافوا منَ الإشهارِ بالإحتجاجِ عليهِ، والاعتراضِ على استمرارِهِ ضدَّ أبناءِ شعبِكم رَغمَ مُشاهدتِكم التنكيلَِ الذي يمارسُهُ المُحتلُّ بحقِّ التظاهُراتِ التي يقومُ بها الشَّبابُ، أمَّا ما يتمُّ مُمارستُهُ ضدَّ نسائِنا الحرائرِ اليمنياتِ فذلكَ موَّالٌ طويلٌ عريضٌ لا يُمكنُ التغاضي عنهُ، أو التَّساهُلُ مع مُرتكبيهِ بالمُطلقِ…
وجاءَ أوَّلُ السُّؤالينِ المُحرجينِ: (لماذا لم نَعُدْ نسمعُ بتلكَ الوعُودِ الرَّنَّانةِ لأؤلئكَ المُحتلِّينَ الجُدُدِ، وعدن أصبحتْ أسوأ َممَّا كانتْ عليهِ قبلَ احتلالِهم لها، فقد غدتْ قريةً كبيرةً فقطْ .. وهُمْ مَن تقاسمُوا الجُغرافيا، واغتصبُوا الجُزُرَ، و نهبُوا الثرواتِ …؟؟؟ وفوقَ كلِّ ذلكَ لم نَعُدْ نسمعُ همسَ الاحتجاجاتِ، او رفعَ الأصابعِ او حتى بهرارَ العيونِ أو حتَّى أضعفِ الإيمانِ بهمسٍ مسُموعٍ قليلاً من طبقةِ الانتليجنسيا العدنيةِ واسعةِ الحُضُورِ والانتشارِ، هل هُم راضُونَ بما يحدثُ لأهلِهم، أو أصبحوا من ضمنِ اؤلئكَ الجُنُودِ، والقادةِ العسكريينَ والسياسيينَ والمُرتزقةِ الخَوَنَةِ الذينَ يستلمُونَ مُخصَّصاتٍ منَ اللجنةِ الخاصَّةِ، أو تمَّ تسجيلُهُم مع الإعلاميينَ، وحَمَلَةِ المباخِرِ، والذُّبابِ الالكترونيِّ والمُبرِّرينَ جرائمَ المُحتلِّ، وتبييضِ سوادِ أفعالِهِ، والمُهلِّلينَ لتلكَ الجرائمِ بحقِّ المُواطنِ اليمنيِّ الصَّامدِ …!!!) مُختتماً متنَ مقالتِه بمُلاحظةٍ استفساريةٍ تنبيهيةٍ : يستهلُّها بـ (لاحظوا معي الفرقَ بينَ سُلُوكِ المُحتلِّ البريطانيِّ المسيحيِّ الذي غادرَنا في عامِ ١٩٦٧م، والمُحتلِّ الشَّقيقِ المُسلمِ كيفَ كانَ الأوَّلُ فيهِ شيءٌ من رحمةٍ وإنسانيةٍ، بينَما الآخرُ فيهِ قسوةٌ ووحشيَّةٌ في القمعِ والقتلِ، والتعذيبِ، فهو لا يتَّقي اللهَ، ولا يخافُ ربَّهُ مُتجاهلاً انَّ الخُصُومَ سيقفونَ بينَ يدي الرَّحمنِ ليحكمَ بينَهُم … إنَّهُ فرقٌ شاسِعٌ في الأخلاقِ والسُّلُوكِ والثقافةِ،فالآخرُ مثلُ إبلِهِ جلفٌ قاسي القلبِ، فجرمُ الصَّمتِ و”الدعممةِ”، والسُّكُوتِ أيضاً لن يسقطَ بالتَّقادُمِ، فخيرُ الجهادِ كلمةُ حقٍّ في وجهِ سُلطانٍ جائرٍ … ولن تنفعَكُم سياسةُ (أنا ما سيبي)، أو (أنا ما لي دخلٌ) سوفَ يحاسبُكمُ التاريخُ كما حاسبَ مَن سبقَكُم طالَ الزَّمانُ أو قَصُرَ
الخُلاصةُ:
وما أدراكَ ما الخُلاصةُ، نعم فقد كانتْ قاسيةً شويه، من حيثُ إنَّهُ تنبيهٌ شديدُ اللهجةِ، وفيهِ وعيدٌ طبعاً ليسَ شخصيَّاً، بل تاريخيَّاً و”كمانَ” جماعيَّاً لكاملِ مُنتسبي طبقةِ الانتليجنسيا العدنيةِ إذا استمرَّ صمتُها و”الدَّعْمَمَةُ”، ولم تحتجَّ حتَّى، فالريادةُ سُلُوكٌ، وثقافةٌ، لا ينفعُ معها حشرُ ذاتِكَ وسطَ القطيعِ ،فأنتُم طليعةُ المُجتمعِ ،وقادةُ الجُمُوعِ للإنعتاقِ من ذُلِّ العُبوديَّةِ للمُحتلِّينَ الجُدُدِ، فإنْ لم تفعلوا فالمُحاكمةُ مع التاريخِ الذي لن يرحمَ أحداً منكُم !!!…
انتهتِ القراءةُ بعونِ اللهِ وتوفيقِهِ

ونأملُ لها القُبُولَ من لدُنكُم ….

جامعة عدن

By admin